الصفحات

الخميس، 17 فبراير 2011

"المصرى اليوم": ماذا بعد ثورة الشباب؟

هل يمكن للمرء أن يكون متفائلاً فى ظل هذه الأوقات بالغة الأهمية التى تحمل أملاً فى تحقيق مستقبل ساطع جديد لمصر؟ إن هذه القوة الفياضة والالتزام القوى اللذين برزا بوضوح فى شوارع مصر وفى ميدان التحرير يؤكدان وجود ذخيرة كامنة من الحيوية والنوايا الطيبة التى يمكنها إعادة تشكيل قدر مصر.
  فى خلال السنوات الخمس الماضية كنت مسؤولة عن إعداد تقرير التنمية البشرية الوطنى - باعتبارى المؤلف الرئيسى - وهو تقرير مهم لا غنى عنه يصدر عن مكتب البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة فى مصر.
  لقد كان تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2010، المعنون «شباب مصر: بناة مستقبلنا» والصادر فى نوفمبر 2010، متصلاً بدرجة غير عادية بالوضع الذى نحن بصدده، فقد كانت أبرز النتائج اللافتة للنظر التى توصل إليها التقرير هى ما يواجهه الشباب من إقصاء من المشاركة السياسية والمشاركة فى العمل العام، وقد عرّف التقرير الشباب بأنهم الشريحة التى تقع فى الفئة العمرية من 18 - 29 عاماً، وهى السن التى يكون فيها الشباب قادراً على المشاركة فى العملية الانتخابية، وفى صنع القرارات الاجتماعية المهمة. لقد ألقى الشباب اللوم على المناخ الثقافى والسياسى الذى ساد خلال تلك الفترة، والذى أدى إلى غياب المشاركة، التى قوضها غياب الممارسات الديمقراطية، وجهاز الأمن الذى كان لا يتسامح مع أى شكل من أشكال المعارضة. ومع هذا بيّن التقرير بوضوح أن الشباب كان يهتم بالاندماج فى مجتمعهم.
  فى التقارير السابقة اتضح أن بناء الثقة المتبادلة بين كل من الدولة والمجتمع المدنى هو شرط أساسى لعقد حوار مثمر بين هذين الطرفين، ومع هذا أوضحت التجارب الماضية أن القنوات الرسمية التى تسمح بالحوار بين الحكومة والمجتمع المدنى كانت قليلة للغاية.
  ونظراً لأن الشباب هم الذين كانوا فى صدارة المطالبين بالتغيير خلال تلك الأيام الأخيرة المهمة والدقيقة، فإنه يجدر التركيز أكثر على ظروفهم الخاصة ووضع سياسة قومية متكاملة للشباب فى سياق أى استراتيجية قومية شاملة تتضمن أجندة خاصة بهم فى إطار زمنى محدد، فشباب مصر - الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة - يبلغ عددهم نحو 20 مليون شاب، أى ما يقرب من ربع السكان.

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

"المصرى اليوم": نحو عقد اجتماعى جديد (1-2)

كتب: د. يحيى الجمل
  الأحداث الخطيرة والرائعة التى جعلت مصر بعد 25 يناير كياناً آخر مختلفاً عن قبل ذلك التاريخ، حيث استطاع خير شباب مصر أن يستعيد مصر من جديد، هذه الأحداث الخطيرة تدفعنا إلى الحديث عن عقد اجتماعى يصلح للمرحلة المقبلة. فما هو العقد الاجتماعى وكيف يوجد وما تاريخ هذه الفكرة المحورية فى العلوم السياسية وكيف تّفعل الفكرة فى هذه الآونة وفى وطننا مصر.
  فكرة العقد الاجتماعى تقوم على أساس أن مجموعة من الناس تعيش فى أوضاع سياسية واقتصادية وثقافية لا ترضى عنها، وتريد أن تنتقل إلى أوضاع أخرى مقابلة تحقق لها التقدم الذى تنشده، ويقول بعض الباحثين فى علوم السياسة إن وسيلة الناس إلى ذلك هى الاهتداء إلى عقد اجتماعى جديد يحقق هذا الانتقال من حال إلى حال. حال غير مرض عنه إلى حال مقبول.
  ونظرية العقد الاجتماعى التقليدية قامت لتفسير نشأة الدولة، وقد قال بالنظرية فى أصولها الأولى المفكرون هوبز ولوك وجان جاك روسو، والأول والثانى إنجليزيان والثالث سويسرى فرنسى.
  والعقد الاجتماعى عند هوبز كان عقداً سيئاً، لأنه افترض أن مجموعة من الناس يعيشون فى أحوال بالغة السوء من الفوضى والقهر والاستبداد، ولا يطمحون فى أكثر من تحسين هذا الحال السيئ، ورأى هوبز أن سبيلهم إلى ذلك هو حكم ديكتاتورى يحملهم حملاً لتخطى حالة الفوضى العامة، ولم يعد أحد اليوم يدعو إلى مثل ما دعا إليه هوبز.
  أما لوك فكان أكثر تفاؤلاً من هوبز فى صياغته لعقده الاجتماعى، الذى أبرم بين الحاكم والمحكومين، وأعطى للحاكم حقوقاً مقابل قيامه بالتزامات معينة، ولكن عقد لوك لم يحقق ما كانت البشرية تطمح إليه- آنذاك- من حكم يعلى سلطان الشعب ويحقق آماله.
  وجاء جان جاك روسو وهو أشهر الثلاثة وأكثرهم تأثيراً فى الحياة السياسية، ذلك أنه اعتبر العقد الاجتماعى ليس بين حاكم ومحكومين، وإنما العقد الاجتماعى بين الناس وبعضهم، ذلك أن السلطة عند روسو هى سلطة مجموع الناس. مجموع الناس عنده هم الحاكمون والمحكومون فى نفس الوقت، ومن هنا يبين كيف أن روسو كان رومانسياً مثالياً.
  المهم أن فكرة العقد الاجتماعى تطورت وأصبحت عند كثير من المفكرين السياسيين الحاليين فكرة محورية، لأنها ارتبطت بمعنى «البوصلة» السياسية لنظام ما.