الصفحات

الأحد، 17 أبريل 2011

"الأهرام": الحوار والطريق الثالث للنهضة‏!

بقلم: د.أحمد شوقى
  يعلمنا التاريخ القديم والمعاصر أن مصر وطن استثنائي‏,‏ في سباته وصحوته وفي هدوئه وثورته‏,‏ وكذلك في انفتاحه علي الحضارات الإنسانية التي شارك فيفجرها‏,‏ دون أن يفقد تميزه وهويته‏.‏ وأظن أن ثورة يناير‏1102,‏
  التي أطلق شرارتها الشباب, وأعطتها الملايين صك نجاحها وشعبيتها, وقرر الجيش دعمها وحمايتها, كفيلة بأن تفتح الباب واسعا أمام بناء مصر الجديدة, المدنية الديمقراطية, ودون تزيد أو عبارات إنشائية, أؤكد أن ذلك لا يمكن أن يتم بأسلوب نمطي, لا يأخذ السياق الاستثنائي لوطننا في الاعتبار.
  إن الدراسات المستقبلية, التيشبت عن الطوق عند الكثير من الدول المتقدمة والنامية بثقة وثبات, والتي مازالت تحبو عندنا, توضح أن البشر لا يواجهون في أي مرحلة من مراحل الانتقال مستقبلا واحدا, هنالك دائما مستقبلات بديلة, يكون من بينها الممكن والمحتمل والمفضل, وبفكرهم وفعلهم يتوقف نجاحهم أو فشلهم في من دعم سيناريوهات المستقبل المفضل الذي يصنعونه بأنفسهم, دون أن يقعدوا في انتظاره, أو ينظروا إلي الكرة البللورية لمعرفة ملامحه. وباجتهاد شخصي, مطروح للحوار, أعتقد أننا أمام طرق ثلاثة لبناء مستقبل مصر الجديدة: طريق المحاكاة, وطريق الاستنساخ, وطريق الاجتهاد والإبداع, دون أن ألقي شرف التحيز للطريق الأخير!
  يكفينا لرفض طريق المحاكاةSimulation أننا عانينا منه عقودا طويلة, امتلأت بوهم الإنجازات التي لا يستشعرها الناس, والإحصائيات الكاذبة التي تنشر في مطبوعات فاخرة. معدلات نمو دون تنمية, ووعود صفيقة بأن ينعم الشعب كله بالثمار المتساقطة من غابات الفساد والإفساد/ أنشطة شكلية بلا مضمون أو عائد حقيقي, تشمل كل أمور الحياة, في التعليم والصحة والإسكان والانتخابات.. الخ, بعد ذلك كله, هل هنالك من يرضي الاستمرار في وهم المحاكاة؟! لا أظن.
  أما الطريق الثاني, طريق الاستنساخ, فلا ينقصه الإخلاص والصدق, ولكن يعيبه عدم أخذ السياق الخاص في الاعتبار بالقدر الكافي. إنه يقوم علي ذكر بعض التجارب الناجحة في الغرب أو الشرق, ويطالبب استنساخها, أو في أحسن الأحوال بتمصيرها, كما كنا نفعل في بعض الأفلام والمسرحيات القديمة, التي مازلنا نسعد بمشاهدتها. وهنا يجب ألا نخلط بين أمرين: ضرورة استيعاب الدروس المستفادة من تجارب النجاح المختلفة, لأن الحكمة ضالة المؤمن, واستحالة النقل الكمي لها بحذافيرها, من سياق معين إلي سياق مختلف. علينا أن ندرك الفارق بين إدراك توجهات التقدم, كالاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والإعلام, ونقل تجارب التقدم.
  وعلينا أن ندرك أيضا اختلاف السياق, الذي يسمح في تجربة معينة بالتركيز علي عنصر معين كالتعليم مثلا, ولا يسمح بذلك في سياق آخر, لما في ذلك من اختزالية لا تناسب هذا السياق. إن توجهات التقدم البشري متشابهة تشابه البشر أنفسهم, لكن منظومة التقدم تختلف من مجتمع لآخر, وفقا لظروفه السياسية والاقتصادية والثقافية.. إلخ, والتحديات التي تواجهة محليا وإقليميا وعالميا. ولا يمكن أن نترك هذه النقطة دون أن نذكر رغبة البعض في استنساخ الماضي, بلحظاته المضيئة التي نعتز بها, ومرجعيته الدينية التي نحترمها, دون أن نعبر عن خشية الكثيرين من الخلط بين أوراق الدين والسياسة, بما يضر الاثنين معا, ولا يفيد المستقبل. وأن السلف الصالح كان مستقبليا في زمانه, وافضل أسلوب للاقتداء به أن نكون مستقبليين مثله, لا أن نكون ماضويين, بالدعوة إلي الاستنساخ المستحيل لتجربته. لذلك, لا أعتقد أن طريق الاستنساخ هو الطريق الأمثل لنهضة مصر, وهذا يقودنا إلي الحديث عن الطريق الثالث.
  لا أشك لحظة في أن الطريق الملائم لمصر الجديدة, بثورتها التي اعترف الجميع بتميزها واستثنائيتها, هو طريق الإبداع والابتكار, هذان العنصران اللذان غيبا كثيرا في الفترة الماضية, يجب أن يحضرا بشدة في الحوار الوطني, الذي يحدد معالم هذا الطريق. هذه الملامح لا يمكن أن يحددها فرد أو جماعة لكنها تتحدد بالشراكة في حوار ناجح, يسهم فيه المفكرون ونشطاء المجتمع المدني والشباب والمراكز البحثية ومختلف الجهات المعنية. وكواحد ممن يتمنون نجاحه, اسمحوا لي باقتراح بعض المحاور, التي أرجو أن يتطرق إليها:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق